فصل: وعقد أحمد بن طولون على جيش

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 قال القضاعي‏:‏ وإنما ذكرت هذا الخبر لتستدل به على أشياء منها سعة نفس أبي الجيش ومنها كثرة ما كان يملكه ابن الخصاص حتى أنه قال‏:‏ كسر بقي من الجهاز وهو أربعمائة ألف دينار لو لم يقتضه ذلك لم يذكره ومنها ميسور ذلك الزمان لما طلب فيه ألف تكة من أثمان عشرة دنانير قدر عليها في أيسر وقت وبأهون سعي ولو طلب اليوم خمسون لي يقدر عليها قال كاتبه‏:‏ ولا يعرف اليوم في أسواق القاهرة ومصر تكة بعشرة دنانير إذا طلبت توجد في الحال ولا بعد شهر إلا أن يتعنى بعملها فتعمل ولما فرغ خمارويه من جهاز ابنته أمر فبنى لها على رأس كل مرحلة تنزل بها قصر فيما بين مصر وبغداد وأخرج معها أخاه شيبان بن أحمد بن طولون في جماعة مع ابن الخصاص فكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد فإذا وافت المنزل وجدت قصرًا قد فرش فيه جميع ما يحتاج إليه وعلقت فيه الستور وأعد فيه كل ما يصلح لمثلها في حال الإقامة فكانت في مسيرها من مصر إلى بغداد على بعد الشقة كأنها في قصر أبيها تنتقل من مجلس إلى مجلس حتى قدمت بغداد أول المحرم سنة اثنتين وثمانين ومائتين فزفت على الخليفة المعتضد‏.‏

وبعد ذلك قتل خمارويه بدمشق وكانت مدة بني طولون بمصر سبعًا وثلاثين سنة وستة أشهر واثنين وعشرين يومًا‏.‏

وولي منهم خمسة أمراء أولهم‏:‏ أحمد بن طولون ولي مصر من قبل المعتز على صلاتها فدخل يوم الخميس لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين وخرج بغا الأصفر وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن طباطبا فيما بين برقة والإسكندرية في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وسار إلى الصعيد فقتل في الحرب وحمل رأسه إلى الفسطاط لإحدى عشرة بقيت من شعبان وخرج ابن الصوفي العلوي وهو إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ودخل إسنا في ذي القعدة فنهب وقتل فبعث إليه ابن طولون جيشًا فهزم الجيش في ربيع الأول سنة ست وخمسين فبعث بجيش آخر فواقعه بإخميم في ربيع الآخر فانهزم ابن الصوفي إلى الواح فأقام به وخرج أحمد بن طولون يريد حرب عيسى بن الشيخ ثم عاد فابتدأ في أبناء الميدان وقدم العباس وخمارويه ابنا أحمد بن طولون من العراق على طريق مكة سنة سبع وخمسين وورد كتاب ماجور بتسلم أحمد بن طولون الأعمال الخارجة عن يده من أرض مصر فتسلم الإسكندرية وخرج إليها لثمان خلون من شهر رمضان واستخلف طفج صاحب الشرط ثم قدم لأربع عشرة بقيت من شوال وسخط على أخيه موسى وأمره بلباس البياض‏.‏

وخرج إلى الإسكندرية ثانيًا لثمان بقين من شعبان سنة تسع وخمسين واستخلف ابنه العباس وقدم لثمان خلون من شوال وأمر ببناء المسجد الجامع على الجبل في صفر سنة تسع وخمسين وببناء المارستان للمرضى وورد كتاب المعتمد يستحثه في حمل الأموال فكتب إليه لست أطيق ذلك والخراج بيد غيري فأنفذ المعتمد نفيسًا الخادم بتقليد أحمد بن طولون الخراج وبولايته على الثغور الشامية فأقر أبا أيوب أحمد بن محمد بن شجاع على الخراج خليفة له عليه وعقد لطخشى بن بلبرد على الثغور فخرج في جمادى الأولى سنة أربع وستين وتقدم أبو أحمد الموفق إلى موسى بن بغا في صرف أحمد بن طولون وتقليدها ماجور التركي والي دمشق فكتب إليه بذلك فتوقف لعجزه عن مقاومة ابن طولون فخرج موسى بن بغا ونزل الرقة فبلغ ابن طولون أنه سائر إليه فابتداء في بناء الحصن بالجزيرة ليكون معقلًا لماله وحرمه في سنة ثلاث وستين واجتهد في عمل المراكب الحربية وأظافها بالجزيرة فأقام موسى بالرقة عشرة أشهر واضطربت أموره ومات في صفر سنة أربع وستين ومات ماجور بدمشق واستخلف ابنه علي بن ماجور فحرك ذلك أحمد بن طولون على المسير وكتب إلى ابن ماجور أنه سائر إليه وأمره بإقامة الأنزال والميرة فأجاب بجواب حسن وشكا أهل مصر إلى ابن طولون ضيق المسجد الجامع يوم الجمعة بجنده وسودانه فأمر ببناء المسجد الجامع بجبل يشكر فابتدأ ببنائه في سنة أربع وتم في سنة ست وستين ومائتين وخرج في جيوشه لثمان بقين من شعبان سنة أربع وستين واستخلف ابنه العباس وضم إليه أحمد بن محمد الواسطي مدبرًا ووزيرًا فبلغ الرملة وتلقاه محمد بن رافع واليها وأقام له الدعوة فأقره ومضى إلى دمشق فتلقاه علي بن ماجور وأقام له بها الدعوة فأقام بها حتى استوثق له أمرها ومضى إلى حمص فتسلمها وبعث إلى سيما الطويل وهو بأنطاكية يأمره بالدعاء له فأبى فسار إليه في جيش عظيم وحاصره ورمان بالمجانيق حتى دخلها في المحرم سنة خمس وستين فقتل سيما واستباح أمواله ورجاله ومضى إلى طرسوس فدخلها في ربيع الأول فضاقت به وغلا السعر بها فنابذه أهلها فقاتلهم وأمر أصحابه أن ينهزموا عن أهل طرسوس ليبلغ طاغية الروم فيعلم أن جيوش ابن طولون مع كثرتها وشدتها لم تقم لأهل طرسوس فانهزموا وخرج عنهم واستخلف عليها طخشيي فورد الخبر عليه بأن ابنه العباس قد خالف عليه فأزعجه ذلك وسار فخاف العباس وقيد الواسطي وخرج بطائفته إلى الجيزة لثمان خلون من شعبان سنة خمس وستين ومائتين فعسكر بها واستخلف أخاه ربيعة بن أحمد وأظهر أنه يريد الإسكندرية وسار إلى برقة فقدم أحمد بن طولون من الشام لأربع خلون من رمضان فأنفذ القاضي بكار بن قتيبة في نفر بكتابه إلى العباس فساروا إليه ببرقة فأبى أن يرجع وعاد بكار في أول ذي الحجة ومضى العباس يريد إفريقية في جمادى الأولى سنة ست وستين فنهب لبدة وقتل من أهلها عدة وضجت نساؤهم فاجتمع عليه‏:‏ جيش ابن الأغلب والإباضية فقاتلهم بنفسه وحسن بلاؤه يومئذ وقال‏:‏ لله دري إذ أعدوا علي فرسي إلى الهياج ونار الحرب تستعر وفي يدي صارم أفري الرؤوس به في حدة الموت لا يبقي ولا يذر إن كنت سائلة عني وعن خبري فها أنا الليث والصمصامة الذكر من آل طولون أصلي إن سألت فما فوقي لمفتخر بالجود مفتخر لو كنت شاهدة كري بلبدة إذ بالسيف أضرب والهامات تبتذر إذًا لعاينت مني ما تبادره عنى الأحاديث والأنباء والخبر وقتل يومئذ صناديد عسكره ووجوه أصحابه ونهبت أمواله وفر إلى برقة في ضر‏.‏

 

وعقد أحمد بن طولون على جيش

وبعث به إلى برقة في رمضان سنة سبع وستين ثم خرج بنفسه في عسكر يقال‏:‏ إنه بلغ مائة ألف لثنتي عشر خلت من ربيع الأول سنة ثمان وستين فأقام بالإسكنرية وفر إليه أحمد بن محمد الواسطي من عند العباس فصغر عنده أمر العباس فعقد على جيش سيره إلى برقة فواقعوا أصحاب العباس وهزموهم وقتلوا منهم كثيرًا وأدركوا العباس لأربع خلون من رجب وعاد أحمد إلى الفسطاط لثلاث عشرة خلت منه وقدم العباس والأسرى في شوال ثم أخرجوا أول ذي القعدة وقد بنيت لهم دكة عالية فضربوا والقوا من أعلاها ثم بعث بلؤلؤ في جيش إلى الشام فخالف على أحمد ومال مع الموفق وصار إليه فخرج أحمد واستخلف ابنه خمارويه في صفر سنة تسع وستين فنزل دمشق ومعه ابنه العباس مقيدًا فخالف عليه أهل طرسوس فخرج يريد محاربتهم ثم توقف لورود كتاب المعتمد عليه أنه قادم عليه ليلتجء إليه فخرج كالمتصيد من بغداد وتوجه نحو الرقة فبلغ أبا أحمد الموفق مسيره وهو محارب لصاحب الزنح فعمل عليه حتى عاد إلى سامراء ووكل به جماعة وعقد لإسحاق بن كنداخ الخزري على مصر فبلغ ذلك ابن طولون فرجع إلى دمشق وأحضر القضاة والفقهاء من الأعمال وكتب إلى مصر كتابًا قرئ على الناس بأن‏:‏ أبا أحمد الموفق نكث بيعة المعتمد وأسره في دار أحمد بن الخصيب وإن المعتمد قد صار من ذلك إلى ما لا يجوز ذكره وإنه بكى بكاء شديدًا فلما خطب الخطيب يوم الجمعة ذكر ما نيل من المعتمد وقال‏:‏ اللهم فاكفه من حصره وظلمه وخرج من مصر بكار بن قتيبة وجماعة إلى دمشق وقد حضر أهل الشامات والثغور فأمر ابن طولون بكتاب فيه‏:‏ خلع الموفق من ولاية العهد لمخالفة المعتمد وحصره إياه وكتب فيه‏:‏ إن أبا أحمد الموفق خلع الطاعة وبرئ من الذمة فوجب جهاده على الأمة وشهد على ذلك جميع من حضر إلا بكار بن قتيبة وآخرين‏.‏

وقال بكار‏:‏ لم يصح عندي ما فعله أبو أحمد ولم أعلمه وامتنع من الشهادة والخلع وكان ذلك لإحدى عشرة خلت من ذي القعدة فبلغ ذلك الموفق فكتب إلى عماله‏:‏ بلعن أحمد بن طولون على المنابر فلعن عليه بما صيغته اللهم العنه لعنًا يفل حده يتعس جده واجعله مثلًا للغابرين إنك لا تصلح عمل المفسدين ومضى أحمد إلى طرسوس فنازلها وكان البرد شديدًا ثم رحل عنها إلى أذنة وسار إلى المصيصة فنزلت به علة الموت فأعد السير يريد مصر حتى بلغ الفرما فركب النيل إلى الفسطاط فدخل لعشر بقين من جمادى الآخرى سنة سبعين فأوقف بكار بن قتيبة وبعث به إلى السجن وتزايدت به العلة حتى مات ليلة الأحد لعشر خلون من ذي القعدة سنة سبعين ومائتين فلما بلغ المعتمد موته اشتد وجده وجزعه عليه وقال يرثيه‏:‏ على رجل أروع يرى منه فضل الوجل شهاب خبا وقده وعارض غيث أفل شكت دولتي فقده وكان يزين الدول فقام بعده ابنه‏:‏ أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وبايعه الجند يوم الأحد لعشر خلون من ذي القعدة فأمر بقتل أخيه العباس لامتناعه من مبايعته وعقد لأبي عبد الله أحمد الواسطي على جيش إلى الشام لست خلون من ذي الحجة وعقد لسعد الأعسر على جيش آخر وبعث بمراكب في البحر لتقيم على السواحل الشامية فنزل الواسطي فلسطين وهو خائف من خمارويه أن يوقع به لأنه كان أشار عليه بقتل أخيه العباس فكتب إلى أبي أحمد الموفق‏:‏ يصغر أمر خمارويه ويحرضه على المسير إليه فأقبل من بغداد وانضم إليه إسحاق بن كنداح ومحمد بن أبي الساج ونزل الرقة فتسلم قنسرين والعواصم وسار إلى شيزر فقاتل أصحاب خمارويه وهزمهم ودخل دمشق فخرج خمارويه في جيش عظيم لعشر خلون من صفر سنة إحدى وسبعين فالتقى مع أحمد بن الموفق بنهر أبي بطرس المعروف بالطواحين من أرض فلسطين فاقتتلا فانهزم أصحاب خمارويه وكان في سبعين ألفًا وابن الموفق في نحو أربعة آلاف واحتوى على عسكر خمارويه بما فيه ومضى خمارويه إلى الفسطاط وأقبل كمين له عليه‏:‏ سعد الأعسر ولم يعلم بثزيمة خمارويه فحارب ابن الموفق حتى أزاله عن المعسكر وهزمه اثني عشر ميلًا ومضى إلى دمشق فلم يفتح له ودخل خمارويه إلى الفسطاط لثلاث خلون من ربيع الأول وسار سعد الأعسر والواسطي فملكا دمشق وخرج خمارويه من مصر لسبع بقين من رمضان فوصل إلى فلسطين ثم عاد لاثنتي عشرة بقيت من شوال ثم خرج في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين فقتل سعدًا الأعسر ودخل دمشق لسبع خلون من المحرم سنة ثلاث وسبعين وسار لقتال ابن كنداح وأتبعه حتى بلغ أصحابه سر من رأى ثم اصطلحا تظاهرا وأقبل إلى خمارويه فأقام في عسكره ودعا له في أعماله التي بيده وكاتب خمارويه أبا أحمد الموفق في الصلح فأجابه إلى ذلك وكتب له بذلك كتابًا فورد عليه به‏:‏ فالق الخادم إلى مصر في رجب ذكر فيه‏:‏ أن المعتمد والموفق وابنه كتبوه بأيديهم وبولاية خمارويه وولده ثلاثين سنة على مصر والشامات ثم قدم خمارويه سلخ رجب فأمر بالدعاء لأبي أحمد الموفق وترك الدعاء عليه وجعل على المظالم بمصر‏:‏ محمد بن عبدة بن حرب وبلغه مسير محمد بن أبي الساج إلى أعماله فخرج إليه في ذي القعدة ولقيه شيبة العقاب من دمشق فانهزم أصحاب خمارويه وثبت هو فحاربه حتى حزمه أقبح هزيمة وعاد إلى مصر فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ثم خرج إلى الإسكندرية لأربع خلون من شوال وورد الخبر أنه دعي له بطرسوس في جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وخرج إلى الشام لسبع عشرة من ذي القعدة ومات الموفق في سنة ثمان وسبعين ثم مات المعتمد في رجب سنة تسع وسبعين وبويع المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق فبعث إليه خمارويه بالهدايا وقدم من الشام لست خلون من ربيع الأول سنة ثمانين فورد كتاب المعتضد بولاية خمارويه على مصر هو وولده ثلاثين سنة من الفرات إلى برقة وجعل له الصلاة والخراج والقضاء وجميع الأعمال على أن يحمل في كل عام مائتي ألف دينار عما مضى وثلثمائة ألف للمستقبل ثم قدم رسول المعتضد بالخلع وهي اثنتا عشرة خلعة وسيف وتاج ووشاح مع خادم في رمضان وعقد المعتضد نكاح قطر الندى بنت خمارويه في سنة إحدى وثمانين وفيها خرج خمارويه إلى نزهته ببربوط في شعبان ومضى إلى الصعيد فبلغ سيوط ثم رجع من الشرق إلى الفسطاط أول ذي القعدة وخرج إلى الشام لثمان خلون من شعبان سنة اثنتين وثمانين فأقام بمنية الأصبغ ومنية مطر ثم رحل حتى أتى دمشق فقتل بها على فراشه ذبحه جواريه وخدمه وحمل في صندوق إلى مصر وكان لدخول تابوته يوم عظيم واستقبله جواريه وجواري غلمانه ونساء قواده ونساء القطائع بالصياح وما يصنع في المآتم وخرج الغلمان وقد خلوا أقبيتهم وفيهم من سود ثيابه وشققها وكانت في البلد ضجة عظيمة وصرخة تتعتع ثم ولي أبو العساكر بن خمارويه بن أحمد بن طولون لليلة بقيت من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين ومائتين بدمشق فسار إلى مصر واشتمل على أمور أنكرت عليه فاستوحش من عظماء الجند وتنكر لهم فخافوه ودأبوا في الفساد فخرج منتزهًا إلى منية الأصبغ ففر جماعة من عظماء الدولة إلى المعتضد وخلعه أحمد بن طغان وكان على الثغر وخلعه طغج بن جف بدمشق فوثب جيش على عمه مضر بن أحمد بن طولون فقتله فوثب عليه الجيش وخلعوه وجمعوا الفقهاء والقضاة فتبرأ من بيعته وحللهم منها وكان خلعه لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين فولي ستة أشهر واثني عشر يومًا ومات في السجن بعد أيام‏.‏

ثم ولي أبو موسى هارون بن خمارويه يوم خلع جيش فقام طائفة من الجند وكاتبوا ربيعة بن أحمد بن طولون وكان بالإسكندرية ودعوه ووعدوه بالقيام معه فجمع جمعًا كثيرًا من أهل البحيرة ومن البربر وغيرهم وسار حتى نزل ظاهر فسطاط مصر فخذله القوم وخرج إليه القواد فقاتلوه وأسروه لإحدى عشرة ليلة خلت من شعبان سنة أربع وثمانين وضرب ألف سوط ومائتي سوط فمات ومات المعتضد في ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وبويع ابنه محمد المكتفي بالله وخرج القرمطي بالشام في سنة تسعين فخرج القواد من مصر وحاربوه فهزمهم وبعث المكتفي محمد بن سليمان الكاتب فنزل حمص وبعث بالمراكب من الثغر إلى سواحل مصر وأقبل إلى فلسطين فخرج هارون يوم التروية سنة إحدى وتسعين وسير المراكب الحربية فالتقوا بمراكب محمد بن سليمان في تنيس فغلبوا وملك أصحاب محمد بن سليمان تنيس ودمياط فسار هارون إلى العباسة ومعه أهله وأعمامه في ضيق وجهد فتفرق عنه كثير من أصحابه وبقي في نفر يسير وهو متشاغل باللهو فأجمع عماه‏:‏ شيبان وعدي‏:‏ ابنا أحمد بن طولون على قتله فدخلا عليه وهو ثمل فقتلاه ليلة الأحد لإحدى عشرة بقيت من صفر سنة اثنتين وتسعين وسنه يومئذ اثنان وعشرون سنة فكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وأيامًا ثم ولي شيبان بن أحمد بن طولون أبو المواقيت لعشر بقين من صفر فرجع إلى الفسطاط وبلغ طفج بن جف وغيره من القواد قتل هارون فأنكروه وخالفوا على شيبان وبعثوا إلى محمد بن سليمان فأمنهم وحركوه على المسير إلى مصر فسار حتى نزل العباسة فقيه طفج في ناس من القواد كثير فساروا به إلى الفسطاط وأقبل إليهم عامة أصحاب شيبان فخاف حينئذ شيبان وطلب الأمان فأمنه محمد بن سليمان وخرج إليه لليلة خلت من ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائتين وكانت ولايته اثني عشر يومًا ودخل محمد بن سليمان يوم الخميس أول ربيع الول فألقى النار في القطائع ونهب أصحابه الفسطاط وكسروا السجون وأخرجوا من فيها وهجموا الدور واستباحوا الحريم وهنكوا الرعين وافتضوا الأبكار وساقوا النساء وفعلوا كل قبيح من إخراج الناس من دورهم وغير ذلك وأخرج ولد أحمد بن طولون وهو عشرون إنسانًان وأخرج قوادهم فلم يبق بمصر منهم أحمد يذكر وخلت منهم الديار وعفت منهم الآثار وتعطلت منهم المنازل وحل بهم الذل بعد العز والتطريد والتشريد بعد اجتماع الشمل ونضرة الملك ومساعدة الأيام ثم سيق أصحاب شيبان إلى محمد بن سليمان وهو راكب فذبحوا بين يديه كما تذبح الشياه وقتل من السودان سكان القطائع خلقًا كثيرًا فقال أحمد بن محمد الحبيشي‏:‏ الحمد لله إقرارًا بما وهبا قد لم بالأمن شعب الحق فانشعبا الله أصدق هذا الفتح لا كذب فسوء عاقبة المثوى لمن كذبا فتح به فتح الدنيا محمدها وفرج الظلم والإطلام والكربا لا ريب رب هياج يقتضي دعة وفي القصاص حياة تذهب الريبا رمى الإمام به عذراء غادره فاقتض عذرتها بالسيف واقتضيا محمد بن سليمان أعزهم نفسًا وأكرمهم في الذاهبين أبا سرى بأسد الشرى لو لم يروا بشرًا أضحى عرينهم الخطي لا القضبا أيها علوت على الأيام مرتبة أبا علي ترى من دونها الرتبا لما أطال بنو طولون خطبتهم من الخطوب وعافت منهم الخطبا هارت بهارون من ذكراك بقعته وشيب الرعب شيبانًا وقد رعبا وكم ترى لهم من جنة أنف ومن نعيم جنى من غدرهم عطبا فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم كأنها من زمان غابر ذهبا وقال أحمد بن يعقوب‏:‏ إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم فارتع وعج بمرابع الميدان وانظر إلى تلك القصور وما حوت واسرح بزهرة ذلك البستان وإن اعتبرت ففيه أيضًا عبرة تنبيك كيف تصرف العصران يا قتل هارون اجتثثت أصولهم وأشبت رأس أميرهم شيبان لم يغن عنكم بأس قيس إذا عدا في جحفل لجب ولا غسان زفت إلى آل النبوة والهدى وتمزقت عن شيعة الشيطان كانوا مصابيحًا لدى ظلم الدجى يسري بها السارون في الإدلاج وكأن أوجههم إذا أبصرتها من فضة بيضاء أو من عاج كانوا ليوثًا لا يرام حماهم في ملحمة وكل هياج فانظر إلى آثارهم تلقي لهم علمًا بكل ثنية وفجاج وعليهم ما عشت لا أدع البكا مع كل ذي نظر وطرف ساجي وقال سعيد القاص‏:‏ تجري دمعه ما بين سحر إلى نحر ولم يجر حتى أسلمته يد الصبر وبات وقيذًا للذي خامر الحشا يئن كما أن الأسير من الأسر وهل يستطيع الصبر من كان ذا أسى يبيت على جمر ويضحى على جمر تتابع أحداث يضيعن صبره وغدر من الأيام والدهر ذو غدر أصاب على رغم الأنوف وجدعها ذوي الدين والدنيا بقاصمة الظهر طوى زينة الدنيا ومصباح أهلها بفقد بني طولون والأنجم الزهر كأن ليالي الدهر كانت لحسنها وإشرافها في عصره ليلة القدر يدل على فضل ابن طولون همة محلقة بين السماكين والغفر فإن كنت تبغي شاهدًا ذا عدالة يخبر عنه بالجلي من الأمر فبالجبل الغربي خطة يشكر له مسجد يغني عن المنطق الهذر يدل ذوي الألباب أن بناءه وبانية لا بالضنين ولا الغمر بناه بآجر وساج وعرعر وبالمرمر المسنون والجص والصخر بعيد مدى الأقطار سام بناؤه وثيق المباني من عقود ومن جدر فسيح رحاب يحصر الطرف دونه رقيق نسيم طيب العرف والنشر وتنور فرعون الذي فوق قلة علىجبل عال على شاهق وعر بنى مسجدًا فيه يروق بناؤه ويهدي به في الليل إن ضل من يسري تخال سنا قنديله وضياءه سهيلًا إذا ما لاح في الليل للسفر وعين معين الشرب عين زكية وعين أجاج للرواة وللطهر يمر على أرض المغافر كلها وشعبان والأحمور والحي من بشر قبائل لا نوء السحاب يمدها ولا النيل يرويها ولا جدول يجري ولا تنس مارستانه واتساعه وتوسعة الأرزاق للحول والشهر وما فيه من قوامه وكفاته ورفقتهم بالمعتفين ذوي الفقر فللميت المقبور حسن جهازه وللحي رفق في علاج وفي جبر وإن جئت رأس الجسر فانظر تأملًا إلى الحصن أو فاعبر إليه على الجسر ترى أثرًا لم يبق من يستطيعه من الناس في بدو البلاد ولا حضر مآثر لا تبلى وإن باد أهلها ومجد يؤدي وارثيه إلى الفخر لقد ضمن القبر المقدر ذرعه أجل إذا ما قيس من قبتي حجر وقام أبو الجيش ابنه بعد موته كما قام ليث الغاب في الأسل السمر أتته المنايا وهو في أمن داره فأصبح مسلوبًا من النهي والأمر كذكل الليالي من أعارته بهجة فيا لك من ناب حديد ومن ظفر وما زال حتى زال والدهر كاشح عقاربه من كل ناحية تسري تذكرتهم لما مضوا فتتابعوا كما أرفض سلك من جمان ومن شذر فمن يبك شيئًا ضاع من بعد أهله لفقدهم فليبك حزنًا على مصر ليبك بني طولون إذ بان عصرهم فبورك من دهر وبورك من عصر وقال أيضًا من لي ير الهدم للميدان لم يره تبارك الله ما أعلى وأقدره لو أن عين الذي أنشأه تبصره والحادثات تعاديه لأكبره كانت عيون الورى تعشوا لييبته إذا أضاف إليه الملك عسكره أين الملوك التي كانت تحل به وأين من كان بالإنفاذ دبره وأين من كان يحميه ويحرسه من كل ليث يهاب الليث منظره صاح الزمان بمن فيه ففرقهم وحط ريب البلى فيه فدعثره وأخلق الدهر منه حسن جدته مثل الكتاب محا العصر أن أسطره كم كان فيه لهم من مشرب غدق فعب صرف الردى فيه فكدره أين ابن طولون بانيه وساكنه أماته الملك الأعلى فأقبره ما أوضح الأمر لو صحت لنا فكر طوبى لمن خصه رشد فذكره وقال أحمد بن إسحاق الجفر‏:‏ وإذا ما أردت أعجوبة الده ر تراها فانظر إلى الميدان تنظر البين والهموم وأنوا - عًا توالت به من الأشجان يعلم العالم المبصر أن الده - ر فيما يراه ذو ألوان أين ما فيه من نعيم ومن عي - ش رخي ونضرة وحسان أين ذاك المسك الذي ديف بالعن - بر بحتًا وعل بالزعفران أين ذاك الخز المضاعف والوشي وما استخلصوا من الكتان أين تلك القيان تشدو على العر - س بما استحسنوا من الألحان حوز الدهر آل طولون في هوة نقر مسكونها غير دان رمضان سنة ثلاث وتسعين ومائتين وبيعت أنقاضه ودثر كأنه لم يكن‏.‏

فقال محمد بن طسويه‏:‏ وكأن الميدان ثكلى أصيبت بحبيب قد ضاع ليلة عرس تتغشى الرياح منه محلًا كان للصون في ستور الدمقس وبفرش الأضريح والبسط الديباج في نعمة وفي لين لمس ووجوه من الوجوه حسان وخدود مثل اللآلى ملس وكل نجلاء كالغزال وبخلا ورداح من بين حور ولعس آل طولون كنتم زينة الأر - ض فأضحى الجديد أهدام لبس وقال ابن أبي هاشم‏:‏ يا منزلًا لبني طولون قد دثرا سقاك صرف الغوادي القطر والمطرا يا منزلًا صرت أجفوه وأهجره وكان يعدل عندي السمع والبصرا بالله عندك علم من أحبنتا أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا وقال‏:‏ ألا فاسأل الميدان ثم أسأل الجبل عن الملك الماضي ابن طولون ما فعل وجيش وهارون الذي قام بعده وشيبان بالأمس الذي خانه الأمل ومن قبله أردى ربيعة يومه وكان هزبرًا لا يطاق إذا حمل وأين ذراريهم وأين جموعهم وكيف تقضي عنهم الملك فاضمحل وأين بناء القصر والجوسق الذي عهدناه معمور الفناء له زجل لقد ملكوه برهة من زماننا بدولتهم ثم انقضوا بانقضا الدول فما منهم خلق يحس ولا يرى بذكر طوال الدهر لما انقضى الأجل وصاروا أحاديثًا لمن جاء بعدهم وكان بهم في ملكهم يضرب المثل وقال‏:‏ قف وقفة وانظر إلى الميدان والقصر ذي الشرفات والإيوان والجوسق العالي المنيف بناؤه ما باله قفر من السكان أين الذين لهوا به وعنوا به زمنًا مع القينات والنسوان يجبي الخراج إليهم في دراهم لا يرهبون غوائل الحدثان غرسوا صنوف النخل في ساحاته وغرائب الأعناب والرمان والزعفران مع البهاء بأرضه والورد بين الآس والريحان كانوا ملوك الأرض في أيامهم كبراء كل مدينة ومكان فتمزقوا وتفرقوا فهناك هم تحت الثرى يبلون في الأكفان إلا أغيلمة أسارى بعدهم في دار مضيعة ودار هوان متلذذين بأسرهم قد شردوا ونفوا عن الأهلين والأوطان والله وارث كل حي بعدهم وله البقاء وكل شيء فان وقال‏:‏ إن في قبة الهوا - ء لذي اللب معتبر والقصور المشيدا - ت مع الدور والحجر والبساتين والمجا - لس والبيت والزهر والجواري المغنيا - ت ذوي الدل والخفر يتبخترن في الحري - ر وفي الوشي والحبر وملوك عبيدهم - م عدد الشوك والشجر وجيوش يؤيدو - ون لدى البأس بالظفر من صنوف السودان وال - ترك والروم والخزر وقال‏:‏ مررت على الميدان معتبرًا به فناديته أين الجبال الشوامخ خمار وعباس وأحمد قبلهم وأين ترى شبانهم والمشايخ وأين ذراري آل طولون بعدهم أما فيك منهم أيها الربع صارخ وأين ثياب الخز والوشي والحلى وأربابها أم أين تلك المطابخ وأين فتات المسك والعنبر الذي عنيت به دهرًا وتلك اللطائخ لقد غالك الدهر الخؤون بصرفه فأصبحت منحطًا وغيرك باذخ وقال‏:‏ مررت على الميدان بالأمس ضاحيًا فأبصرته قفر الجناب فراعني فناديت في يآل طولون ما لكم فهود فما حلق بحرف أجابني فأذريت عينًا ذات دمع غزيرة ورحت كئيب القلب مما أصابني وإني عليهم ما بقيت لموجع ولست أبالي من لحاني وعابني وحدث محمد بن أبي يعقوب الكاتب قال‏:‏ لما كانت ليلة عيد الفطر من سنة اثنتين وتسعين البنود والأعلام وشهرة الثياب كثرة الكراع وأصوات الأبواق والطبول فاعتراني لذلك فكرة ونمت في ليلتي فسمعت هاتفًا يقول‏:‏ ذهب الملك التملك والزينة لما مضى بنو طولون‏.‏

وقال القاضي أبو عمرو عثمان النابلسي في كتاب حسن السيرة في اتخاذ الحصن بالجزيرة‏:‏ رأيت كتابًا قدر اثنتي عشرة كراسة مضمونة فهرست شعراء الميدان الذي لأحمد بن طولون قال‏:‏ فإذا كانت أسماء الشعراء في ثنتي عشرة كراسة كم يكون شعرهم مع أنه لم يوجد من لك الآن ديوان واحد‏.‏

وقال أبو الخطاب بن دحية في كتاب النبراس‏:‏ وخربت قطائع أحمد بن طولون يعني في الشدة العظمى زمن الخليفة المستنصر وهلك جميع من كان بها من الساكنين وكانت نيفًا على مائة ألف دار نزهة للناظرين محدقة بالجنان والبساتين والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين